عن الأمة العربية بين الثورة والانقراض

بقلم الطيب العروسي

يقدم الدكتور علاء الدين الأعرجي تحليلات واستقراءات وتأملات عميقة للمجتمع العربي، لأنه ينطلق من مكونات هذا المجتمع السياسية والتاريخية والثقافية، معتمدا في تحليله على إعادة قراءة التراكمات والتجاوزات السياسية الحاكمة التي تقود المجتمعات العربية نحو الهلاك، أو الانقراض، هذه الكلمة التي أثبتها الدكتور في عنوان كتابه[1]، مؤكدا على أن هذه الدول لا تملك رؤى استراتيجية واضحة المعالم للقضاء على البطالة، وعلى الآفات الاجتماعية المختلفة، وإلى غياب استعمال العقل، مما أدّى إلى تهميش العالم العربي ووضع استقراره على حافة مخاطر الحروب الأهلية، المجاعة الأمية[2]، هجرة الأدمغة العربية، عدم مساهمة العلماء العرب في الإبداع العلمي والتقني، فقدان الحرية إلا غير ذلك من موضوعات أساسية تطرق إليها الدكتور في مؤلفه : « الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي" لمؤلفه الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، الصادر في بغداد، عن منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016، يقع 485 صفحة.

يحتوي هذا الكتاب على مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، إضافة إلى ملاحق بمجموعة من المشاريع التي قدمها المؤلف إلى المؤسسات العربية وبقيت حبرا على ورق، مثل "مشروع مؤسسة التراث العربي" و "وورقة عمل لإنشاء "جامعة شعبية عربية"، و مشروع إنشاء "المركز الثقافي العربي- الأمريكي" ومشروع إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي، هذا علاوة على لقاء مهم للكاتب مع, المرحوم الجابري، وتعليق عليه، وملحق ببعض أشعار المؤلف، إضافة إلى نبذة عن حياته

شرح المؤلف في مقدمة كتابه الدوافع التي أدت به إلى الخوض في هذه المواضيع الشائكة، حيث يؤكد "عندما أتحدث عن تخلف العرب الحضاري، لا أقصد، أن هذا التخلف متأصّل في الذات العربية كعنصر متميّز لا يقبل الحضارة. بدليل أن العرب كأفراد يتفوقون علميا وفكريا حينما تتوفر لهم ظروف مادية ومعنوية كافية خارج البلاد العربية مثلا، وبدليل أن العرب أنشأوا حضارة متميزة استمرت من القرن السابع إلى القرن الرابع عشر تقريبا، غرفت منها أوروبا منذ القرن الثاني عشر، لتأسيس حضارتها الحديثة"[3] ، لكنه ينطلق أيضا من الأحداث الأليمة التي تعيشها جل الدول العربية تقريبا، وعن تخلف الأمة في المساهمة العلمية على مستوى عالمي، وهذا ما يؤكده الدكتور في الفصل الأول من الكتاب بعنوان : « تفجر الثورة العلمية والثقافية (التكنولوجيا) نعمة أم نقمة؟ حيث تؤكد الكثير من الإحصائيات، وعلى رأسها تقارير التنمية البشرية، وتقارير اليونسكو وبالأرقام أن العالم العربي لم يدرك بعد الهوة التي يتعايش معها منذ عقود إذ يكفي الاطلاع على تقرير التنمية البشرية لعام 2010 ، الذي يشير بأن الإنسان العربي يقرأ "معدل ستة دقائق في السنة، بينما المواطن الغربي يقرأ 12 ألف دقيقة" . وأن أهم قطاع تنفق فيه الحكومات العربية ويخوّلها المرتبة الأولى على مستوى العالم " هو التسلح" أما في مجال العلوم فهي " لا تخرّج سوى 373 باحثاً لكل مليون نسمة، علماً بأن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحث" مما يترك الإنفاق على البحث العلمي في الوطن العربي يحتل أدنى مرتبة في العالم". وأن العالم العربي بدوله ال 22 ينشر حوالي 20 ألف عنوان في السنة، بينما أمريكا وحدها تنشر خمسة وثمانين ألف كتاب في السنة، وما يترجم من وإلى اللغة العربية لا يتعدى 1 في المائة، في حين ما تترجمه كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا يتعدى 13 في المائة. أما التعامل مع التقنيات الحديثة فهو لا يتعدى 3 في المائة.

تكرر هذه التقارير في كل سنة نفس الأخطار، ولا أحد من المسؤولين في العالم العربي تحرّك لإنقاذ الموقف، تخلق هذه الأوضاع لا محالة شقة حضارية "بين البلدان المتقدمة والمتخلفة، ومنها البلدان العربية، بمرور الوقت، الذي يكون في مصلحة الأولى"[4] ، كما يؤكد المؤلف متسائلا : « لماذا تمكنت بلدان آسيوية أخرى، مثل تايلاند وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة، أن تلاحق التطور الحضاري، بينما تخلفت البلدان العربية عن الركب، في حين كانت تلك البلدان أكثر تخلفا من البلدان العربية، قبل نصف قرن؟ هل يمكن أن نحمّل "الآخر" معظم المسؤولية في ظاهرة تخلفنا، أم إن السبب الأساسي الحاسم في استمرار ذلك التخلف يرجع إلى "الأنا" وما هو دور العقل المجتمعي في تخلف الأمة العلمي والقاني والفكري؟ وما هو دور العقل المنفعل في أزمة التطور الحضاري العربي؟"[5] . هذا ما يحاول الدكتور الأعرجي الإجابة عليه في بقية الفصول، حيث خصص الفصل الثاني لمناقشة قضية مهمة تحت عنوان : « نحو إنشاء نظرية الحرب"، التي تتصيد العالم العربي إن بقي على نفس الحالة، بعدما يشرح المعطيات الثقافية والدينية والأثنية لهذا العالم، نراه يبحر في بعض النظريات التي تناقش مسألة الحروب الأهلية أو تلك التي قامت في العالم، مما دفع ببعض الحكام في الغرب أن يجدوا طريقا للسلم ببناء وحدة تحفظ شعوبهم من المخاطر، بينما الأمة العربية التي تمر بحروب أهلية طاحنة، ما أدى إلى صدور مجموعة كتب تدق جرس الإنذار، مثل "خروج العرب من التاريخ" لفوزي منصور، أو الأمة المشلولة، تشريح الانحطاط العربي لمحي الدين صبحي، وتقرير بعنوان "أمة في خطر’ الذي أتى فيه بأن "الأمة العربية شهدت في الفترة (2008- 2009 من التحديات والمخاطر ما لم يسبق لها أن شهدته في عام واحد، مثل من دون شك حلقة جديدة تضاف إلى سلسلة التحديات والمخاطر التي تحدق بالأمة : أمنها ورخائها بل وبقائها، من دون أن يبلور نظامها الرسمي رؤية لمواجهة الخطر"[6] .

أما الفصل الثالث فهو بعنوان : « من تجليات أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي : الصراع بين التراث والحداثة"، وهي مسألة أثارت الكثير من النقاش في لقاءات وندوات فكرية وحلقات درس، وهنا عالج المؤلف عنجهية الغرب تجاه دول العالم الثالث، ومن ضمنه العالم العربي، حيث أخذ خيراته وراح يتحكم في توجيه سياساتها مراعيا مصالحه بالدرجة الأولى، هذا ناهيك على امتلاك الثروات من مجموعة من الناس، وازدياد الفقر المدقع حتى في بعض الدول الغربية، أما دول افريقيا فحدث ولا حرج، كما يسهب في شرح انتشار (الحركات المنغلقة باسم الدين والتي ترى في التقدم العلمي دلالات شر إذ يؤكد المؤلف " ومنهم (الحركات الأصولية)، أن الكشوف العلمية الحديثة موجودة بشكل صريح أو رمزي في القرآن الكريم، كتفسير آية "وجعلنا من الماء كل شيء حي" وربما يرى البعض ان فكرة سفن الفضاء موجودة في سورة الإسراء، ويرى بعضهم أن التراث العربي الإسلامي ينطوي على معظم النظريات والمكتشفات الحديثة"[7] (ص,119)، بحيث أنهم يغلقون باب الاجتهاد الذي يعتبر ركنا مهما في الإسلام ليتجهوا إلى تجهيل الأمة، لأن الواقع يكذب ذلك، ويقيد "حريتنا في الاختيار (بين التراث والحداثة) ذلك لأننا نمارس الحداثة بشكل اعتيادي وتلقائي في كل لحظة، ولم يكن لنا اي خيار في ذلك… ويا ليتهم أخذوا من الحداثة أصولها ومبادئها على الأقل، فكرها فلسفتها، علمها ومعرفتها، نظامها الديمقراطي القائم، في بلدانها، بين أمور أخرى، على احترام الرأي الآخر، واحترام الإنسان كإنسان، بصرف النظر عن رأيه ولونه ومعقده.. » .

تجدر الإشارة إلى أن المؤلف أثبت مجموعة من القراءات لكتاب عرب في هذا المجال، ليقول بأن الحداثة نتعايش معها يوميا، لكننا لا نشارك في بلورتها، بل نستهلك منتوجاتها ولا نصنعها، وعلى هذا الاساس خصص الفصل الرابع لمناقشة "إشكالية التراث والحداثة وأثرها في تفاقم أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، ليتمعن أكثر في رداءة وبؤس هذا الواقع المأساوي يستثني "ماليزيا" التي راحت تتسلق سلم التطور "خلال العقود الأخيرة، بسبب تبنيها مؤسسات الحداثة، وخاصة في إرساء دعائم العلم والتقانة والصناعة والتطوير على جميع المستويات"[8] ، مما سمح لها بأن تحافظ على وقعها في هذا العالم، واحتفظت على الدعائم الأساسية لهويتها، لان الدين لا يتناقض مع الحداثة، وخاصة مع العلم الذي يدعو إليه الدين الإسلامي، "إننا لا نريد إهمال التراث، أو الاكتفاء بعرضه واجهات من متاحف الآثار القديمة، بل نسعى إلى إحيائه عن طريق بعث حياة جديدة فيه، ليكون قادرا على العيش في ظروف مختلفة تماما عن تلك التي كان يتمتع بها قبل أكثر من عشرة قرون .تقريبا "[9] .

يواصل الدكتور مناقشة هذه القضية الحساسة في الفصل الخامس تحت عنوان : « معالجة إشكالية التراث والحداثة من خلال نظرية العقل المجتمعي" ليتوغل في شرح الأسباب والمسببات التي ساهمت في نشر الاتكالية والفوضى كونه لاحظ "العلاقة الوثيقة التي تربطها "يقصد نظرية العقل المجتمعي" بإشكالية التراث والحداثة، انطلاقا من ارتباطها بمجمل الظواهر الاجتماعية الأخرى، لا سيما على صعيد الوصف والتشخيص، والفهم والتجذير، فنحن نرى أن العقل المجتمعي يحمل تراث الأمة، أية أمة، … فإن شئنا أن نتفهم تراث الأمة العربية والإسلامية، فعلينا أن نبحث في طيات عقلها المجتمعي ودهاليزه المعتمة، ونتعمق في اكتشاف ظواهره وبواطنه، تعبيراته ومكنوناته، سلبياته وإيجابيات"، وذلك للتقرب من تفسير التراث وتحليله وتأصيله»[10] ، لأن العقل المجتمعي البسيط، لسوء الحظ، ، حسب الدكتور، هو المحرك الأساسي، وبالتالي يمثل السلطة التي تسيطر وتحرك الفرد من حيث لا يعلم، ومن ثمة على المجتمع ككل، فما هي "خصائص العقل المجتمعي من الكشف عن مجاهيل التاريخ إلى تكريس العولمة"، هذا ما عالجه المؤلف في الفصل السادس، الذي يرى بأنه يشغل الدائرة الكبرى التي تضم دوائر صغرى من أهمها "دائرة العقل المجتمعي العربي التي تتقاطع معها، كما تضم تلك الدوائر الكبرى دوائر صغرى تمثل عقولا مجتمعية غير عربية متعددة، ومنها دائرة شبه القارة الهندية وتفرعاتها المتعددة، ودائرة جزر المحيط الهادي وجنوبي آسيا، ودائرة جمهوريات آسيا الوسطى، ودائرة شعوب إفريقيا الوسطى والشرقية,,, »[11] ، تمثل هذه الدوائر إرهاصات وبنى دول العالم، لا سيما ك الفاعلة والمنتجة، أو الخارجة من التخلف ليشيد بمجهودات العقل المجتمعي حينما يسير على دروب واضحة، وآفاق مرسومة ومدروسة بإتقان، نابعة من مشاكل وتأملات وقراءات "الأنا" الفاعلة التي لا تأخذ فقط، بل تسهم في البناء، وفي تحرير ذاتها من العقل المجتمعي الخامل، لأن الأنا يجب أن تبدع ، ومن الأمثلة التي "تنطيق على المجتمع العربي نذكر على سبيل المثال فقط : اقتباس الزي الغربي للرجال الذي أصبح سائدا في معظم البلدان العربية منذ فترة طويلة، و"الموضات" النسائية المتغيّرة تبعا لتغيّرها في الغرب، و "اتيكيت" تناول الطعام والشراب واستقبال الضيوف، وتكريس المناسبات، من أمثال الاحتفال بيوم الميلاد... وعيد رأس السنة الميلادية... وعيد الأم، ويوم المرأة...وغيرها مما أصبح أعيادا رسمية أو شعبية مألوفة، ,,,دخل إلى العقل المجتمعي حشد آخر من المبادئ والقيم الحداثية التي أصبحت إلى حدّ بعيد، جزءا منه، والأمثلة على ذلك لا تحصى، ابتداء من نظام الدولة الحديث إلى التشكيلات الحزبية والمنظمات الأهلية,,,ومناهج البحث الأكاديمي ، ,,, ومع ذلك فإن هذه الأمور لم تتفاعل مع العقل المجتمعي العربي على نحو فعّال، بدليل أنها طبّقت هذه الأشياء على نحو مشوّه أو ناقص، ,,"[12] .

أما الفصل السابع فهو بعنوان : خصائص العقل المجتمعي : قراءة التراث في النص الديني"، حيث يرى المؤلف بأن العقل المجتمعي ليس كيانا مستقلا ، فإن "انطباعات" الأحداث التاريخية هي التي تسجّل في العقل المجتمعي، وليست الأحداث ذاتها، والفرق كبير ومهم بين الأمرين,"[13] ثم يواصل المؤلف مؤكدا بأن "هناك أوجه متعددة للعلاقة الوثيقة بين العقل المجتمعي والتراث"[14]، فقد لا حظنا أن العقل المجتمعي هو الذي يملي على العامة والخاصة نظرتهم إلى التراث"، أي أن هذا العقل يدعو إلى العمل والإنجاز ولكنه لا يقوم به في الواقع، كما يوهم الآخرين بأنه فهم التراث واستفاد منه، ولكن في حقيقة الأمر لم يستوعب لا التراث بشكل موضوعي، ولا الحداثة بشكل عقلاني، مما ترك العقل المجتمعي يعيش انفصاما غريبا يملي "تطلعاته" و تخلفه على المواطن العربي في كل مكان، وهو بذلك يشرّعه، أو يتكل في شرحه على "القضاء والقدر مقابل مسؤولية الإنسان من تجليات العقل المجتمعي"، كما أشار إليه المؤلف في الفصل الثامن، بما يدعو إلى التساؤل والحيرة، لأن أغلب التقارير الإنمائية تشير إلى هذا الركود والتخلف مما يبين حسب المؤلف بأن البحث عن هذه الظاهرة "تنجم عن أنها تؤدي إلى عدم شعور الإنسان العربي شعورا عميقا وفعالا بمسؤوليته تجاه نفسه وإزاء مجتمعه، وبالتالي تساهم في شل المبادرات الشخصية والكفاح المثمر لتغيير الأوضاع المترديةّ الراهنة، وبالتالي في تفاقم أزمة التطور الحضاري"[15] .، يرجع الدكتور للحديث على مبادرات بعض المثقفين العرب وتحليلاتهم للأزمة الإنسان العربي، وإلى اتكاله على القضاء والقدر، وكأنه لا حول ولا قوة له، ويرجع المؤلف السبب إلى "التعرض الطويل للقهر والاستبداد الذي مر به المجتمع العربي مما أدّى إلى أن يألف الفرد ذلك القهر، … بل وما تعرض له آباؤه وأجداده خلال الأجيال السابقة، لان ذلك الفرد يتأثر بالقيم الراسخة والمتوارثة التي تشكل نسيج ذلك العقل المجتمعي السائد (أي العقل العربي والإسلامي في هذه الحالة"[16]..وخلاصة القول كما يؤكد المؤلف فإن "العقل المجتمعي العربي السائد ميّال/، بوجه عام، نحو التواكل والاستسلام (لا تفكر, لها مدبّر)[17]

سنح لنا المؤلف فرصة للتعريف على اجتهادات الأنا وإنجازات الآخر، التي لا تتماشى بالضرورة معا، كون الأنا منعكفة على عقل مجتمعي لم تتم دراسته وغربلة ما جاء فيه بشكل علمي ومنطقي، وبين الآخر الذي يخطوا خطوات جبارة تأخذ الأنا منه الأشياء الظاهرية، وليس اللب، لأن الإيمان بالقضاء والقدر برؤى متخلفة تزيد في تعجرف كينونة الأنا، وإلغاء اجتهادها، مما يؤدي إلى الياس من قدرتها على تحسين الأوضاع، كما يقول الدكتور الأعرجي "وما لم نسع لتغيير هذا الحال، من خلال تعديل وغربلة عقلنا المجتمعي التقليدي، وبالتالي تعديل وتعقيل عقلنا الفردي المنفعل بذلك العقل المجتمعي، بواسطة عقلنا الفاعل، الذي اعتكف وتقزّم منذ عشرة قرون تقريبا، فإن جميع المحاولات السطحية والحركات الإصلاحية ستبوء بالفشل كالسابق" ، ولعلنا كما ينهي الدكتور عمله بنوتة من الأمل "نمر بمرحلة المخاض القاسي الذي تمر به الثورات الكبرى عادة. ومع ذلك يجب أن لا نغفل دور الآخر (اسرائيل، القوى الاستعمارية) وبعض الأطراف المنتفعة أو العميلة أو فلول النظم السابقة، في محاولة إجهاض هذه الثورة إلى الابد »[18] .

خاتمة

تتمركز فصول الكتاب، كما رأينا، على قراءة متأنية وعميقة لأسباب وويلات العالم العربي المتتالية، والبحث في إرهاصاتها ودوافعها، الشيء الذي دفع بالمؤلف إلى نوع من التشاؤم، لأنه يرى بأنه لو استمر العالم العربي على هذا الحالات المتردية والمترهلة فإنه لا محالة متجه نحو "الانقراض" كون حكامه أرجعوا منه عالما استهلاكيا في كل شيء، لم يساهم العرب في تطوير العلوم أو في تحريك عجلة النمو والحداثة للخروج من الصدمات المتواصلة، والحروب المتوالية، التي تدفع العالم العربي إلى الانقسام إلى دويلات كما وقع في السودان، هذا ناهيك على صدمة ثورات الربيع العربي التي انقلبت إلى كوابيس، لكن الدكتور يرى فيها مبادرة جيدة ستبقى في أذهان الشعوب ، لأن الثورة الفرنسية مكثت مدة طويلة حتى استقرت وأعطت ثمارها في خلق مجتمع فرنسي (على سبيل المثال) مبني على ثلاثة محاور مهمة الحرية، العدالة والمساوات، وأن كل مواطن فرنسي يسهر على احترام هذه المبادئ بوعي وحماس كبيرين، فالدكتور الأعرجي يرى بأن الثورات العربية قد تخلق إرهاصات

.تبلور معطيات تترك الإنسان العربي يسعى دائما لتحسين أوضاعه مهما طال الزمن أو قصر.

يعتبر كتاب الدكتور الأعرجي إضافة نوعية في مجال العقل المجتمعي الذي يتحكم في مصير الأمة العربية

الإسلامية، طالما أن الأوضاع باقية على حالها، لكن هذا العقل أثبت نجاعته حينما انطلقت الثورات التي حاربها الحكام قبل الأعداء ليرجعوا منها كابوسا لعينا، ولكن عجلة ودينامية الحياة والمطالب الشعبية لن تبقى كما كانت، بل مطلوب من الحكام والعالم المساير لهم أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه التحركات التي كان لها صدى في العالم أجمع وأصبحت تدرس في الكثير من الجامعات.


[1] - يتعامل الدكتور الأعرجي مع هذه الكلمة بشيء من الحذر، وكأنه يرفضها رغم أن الواقع العربي المزرى إن واصل على ما هو عليه، فإنه لا شك أن العالم العربي يسير حول هذا المنعرج الخطير

[2] - تقول الإحصائيات بأن عدد الأميين في العالم العربي قد تجاوز 70 مليون نسمة،، أما الأمي بمعناه اليوم، أي ذاك الذي لا يحسن التعامل مع التقنيات الحديثة، فإن الإحصائيات تؤكد بأن مستعمليها في العالم العربي لا يتجاوز الأنترنيت لا يتجاوز 8 في المائة ,

[3] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي".- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 21

[4] - نفس المرجع، ص. 84

[5] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي".- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 63

[6] - نفس المرجع، ص. 98

[7] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي".- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 119

[8] - نفس المرجع، ص. 161

[9] - نفس المرجع، ص. 169

[10] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي" .- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 176

[11] - نفس المرجع، ص. 213

[12] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي".- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 227- 228

[13] - نفس المرجع، ص 230

[14] - نفس المرجع، ص .242

[15] - نفس المرجع، ص. 247

[16] - الأمة العربية بين الثورة والانقراض : بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسير الأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي" .- الدكتور علاء الدين صادق الأعرجي، - بغداد،: منشورات دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 2016. ص. 273

[17] - نفس المرجع، ص. 277

[18] - نفس المرجع، ص. 15