نار وثلج

علاء الدين صادق الأعرجي

وتعالت ذكرياتي فوق ذاتي

حيث أضحت أنجماً تسمو

على الحاضر والماضي السحيقْ

وتراني أستقي منها حنَــَاناً أو سموماً

أو رحيقْ.

ويسرني أن أهدي هذه القصيدة اليوم إلى:

خفيفة الروحِ لو دامتْ لِخِفَتِها —

مَشْياً على الماءِ ما ابتلتْ لها قَدَمُ

وصف ليلة باريسية رقَّ نسيمها وتساقط فيها الثلج بغزارة ..


أعراس الشتاء ...

ثلج... ونار......

عَرَسَتْ قُبَّةُ السماءِ بلَيلٍ

نَثَرَتْ فيه لؤلؤاتِ الجِنانِ

عَزَفَتْ جَوقةُ النسيمِ نشيدًا

فتعالَت أَصداؤه في المحاني

رقص الروضُ والملائكُ غنَّتْ

في رِحابِ الجِنانِ والأَكوانِ

غَرِقَ الجوُّ بالزغاريد لـمَّا

مَوكبُ الحُسنِ ماجَ كالسكرانِ

وسَجا الليلُ والثلوجُ تُغطِّي

جَبهةَ السهلِ والرُّبى والمغاني

وارتَدَت أَرضُنا وِشاحًا قشيبًا

والشُجيراتُ فتنةٌ للعَيانِ

فكأَنَّ الظلام صار نهارًا

أَيُّ ليلٍ هذا؟ وأَيُّ زمانِ؟

* * *

فخرجنا إلى الشوارعِ نَـــسـعى

لحضورِ الأَعراسِ في الميدانِ

وولَجنا رَوضًا عَلاهُ مشيبٌ

من لُجَين ٍ وشَعرُهُ أُرجواني

وكَسا الثلجُ بالأَكاليل أَيكًا

زيَّـنـَتْه أَناملُ الرَحمانِ

* * *

وأَتينا سَقفا ً وأُنساً ورَقصَاً

وزهورًا تشدو بأَحلى الأَغاني

وانتحَينا رُكنًا يُطِلُّ على الرَوضِ

ونارٌ وَقودُها قلبانِ

فنظرتُ الوجهَ المُنوَّرَ كالفجرِ

وجيدًا مُطرَّزًا بِجُمانِ

ورأَيتُ الفُستانَ ينشقُّ فَوقَ

النَحرِ والظَهر ِ في رُؤى فنَّانِ

وشَهِدتُ الحريرَ ينسابُ كالظلِّ

ويحبو فوق الرُبى بِحَنانِ

واسْتَقَينا من لاحِظَينا مُدامًا

وسَكِرنا بِمُعجِزاتِ المعاني

وشرِبنا نَخبَ الطبيعةِ كأسًا

وكؤوسًا على الهوى والتفاني

صِحتُ: ”ماذا أَقولُ يا مَعبدَ الحُبِّ؟

فَسِحرُ المقامِ شَدَّ لساني“

”أَنتِ سَيْلٌ من الجَمالِ سَخيٌّ

ليت شِعري ماذا بَقيْ للغواني؟“

نَظَرَتْ ثمَّ أَطرقَت بِدَلالٍ

وسِهامُ اللحاظِ أَوْدَتْ بِشاني

قلتُ: ”هل لي برقصةٍ تَبعثُ الروحَ

لِقَلبٍ قد مات منذ ثوانِ؟“

ضَحكَتْ، ثمَّ أَقبلَتْ تتهادى

وفؤادي يَعِجُّ بالخَفَقانِ

ورقَصنا: تَمايَلَتْ بِجَلالٍ

وسَقَتْني الحنانَ بالأَدنانِ

وكأَنَّ الأَلحانَ أَشباحُ جِنٍّ

تــتـــغنَّى، وأَلفُ أَلفِ كَمانِ

فَتــَرانا نَطوفُ في حَلْبَةِ الرقصِ

بِزَهْوٍ، كأَنَّنا طائرانِ

في المرايا من حَولنا تَتَراءَى

عشراتٌ من الطُيوفِ الحِسانِ

* * *

شَعَرَتْ أَنَّني سئمتُ التجافي

فاشتياقي يفوحُ من أَركاني

فانطَوَينا تـَـهُزُّنا نغماتٌ

من جَوًى عارم ٍ ولمسِ الـبـًنـَـانِ

وانسَكَـبْنا في موجةٍ إحتَوَتنا

وتعالت على بقايا كياني

وسَمَونا فوق الزمانِ وَمِدْنا

في سِماكِ الآفاقِ واللامكانِ

ملاحظة: أُلقِيَت هذه القصيدة في عدة نُدواتٍ شعريَّةٍ عُقِدَت في الأُمَمِ المُتَّحدة بنيويورك، في إطار النادي العربيّ. وألقيت بالفرنسية في ندوة أخرى في نفس المكان، في إطار الجمعية الفرانكوفونية. ونشرت في عدد من الصحف والمجلات في الوطن العربي والمهجر. ثم في ٍ كتاب "شعراء عرب في المهجر".