قصائد

بقلم الاعرجي

أعراس الشتاء.. ثلج ونار

عَرَسَتْ قُبَّةُ السماءِ بلَيلٍ

نَثَرَتْ فيه لؤلؤاتِ الجِنانِ

عَزَفَتْ جَوقةُ النسيمِ نشيدًا

فتعالَت أَصداؤه في المحاني

رقص الروضُ والملائكُ غنَّتْ

في رِحابِ الجِنانِ والأَكوانِ

غَرِقَ الجوُّ بالزغاريد لـمَّا

مَوكبُ الحُسنِ ماجَ كالسكرانِ

وسَجا الليلُ والثلوجُ تُغطِّي

جَبهةَ السهلِ والرُّبى والمغاني

وارتَدَت أَرضُنا وِشاحًا قشيبًا

والشُجيراتُ فتنةٌ للعَيانِ

فكأَنَّ الظلام صار نهارًا

أَيُّ ليلٍ هذا؟ وأَيُّ زمانِ؟

* * *

فخرجنا إلى الشوارعِ نَـــسـعى

لحضورِ الأَعراسِ في الميدانِ

وولَجنا رَوضًا عَلاهُ مشيبٌ

من لُجَين ٍ وشَعرُهُ أُرجواني

وكَسا الثلجُ بالأَكاليل أَيكًا

زيَّنَتْه أَناملُ الرَحمانِ

* * *

وأَتينا سَقفا ً وأُنساً ورَقصَاً

وزهورًا تشدو بأَحلى الأَغاني

وانتحَينا رُكنًا يُطِلُّ على الرَوضِ

ونارٌ وَقودُها قلبانِ

فنظرتُ الوجهَ المُنوَّرَ كالفجرِ

وجيدًا مُطرَّزًا بِجُمانِ

ورأَيتُ الفُستانَ ينشقُّ فَوقَ

النَحرِ والظَهر ِ في رُؤى فنَّانِ

وشَهِدتُ الحريرَ ينسابُ كالظلِّ

ويحبو فوق الرُبى بِحَنانِ

واسْتَقَينا من لاحِظَينا مُدامًا

وسَكِرنا بِمُعجِزاتِ المعاني

وشرِبنا نَخبَ الطبيعةِ كأسًا

وكؤوسًا على الهوى والتفاني

صِحتُ: ”ماذا أَقولُ يا مَعبدَ الحُبِّ؟

فَسِحرُ المقامِ شَدَّ لساني“

”أَنتِ سَيْلٌ من الجَمالِ سَخيٌّ

ليت شِعري ماذا بَقيْ للغواني؟“

نَظَرَتْ ثمَّ أَطرقَت بِدَلالٍ

وسِهامُ اللحاظِ أَوْدَتْ بِشاني

قلتُ: ”هل لي برقصةٍ تَبعثُ الروحَ

لِقَلبٍ قد مات منذ ثوانِ؟“

ضَحكَتْ، ثمَّ أَقبلَتْ تتهادى

وفؤادي يَعِجُّ بالخَفَقانِ

ورقَصنا: تَمايَلَتْ بِجَلالٍ

وسَقَتْني الحنانَ بالأَدنانِ

وكأَنَّ الأَلحانَ أَشباحُ جِنٍّ

تتـــغنَّى، وأَلفُ أَلفِ كَمانِ

فَتــَرانا نَطوفُ في حَلْبَةِ الرقصِ

بِزَهْوٍ، كأَنَّنا طائرانِ

في المرايا من حَولنا تَتَراءَى

عشراتٌ من الطُيوفِ الحِسانِ

* * *

شَعَرَتْ أَنَّني سئمتُ التجافي

فاشتياقي يفوحُ من أَركاني

فانطَوَينا تـَـهُزُّنا نغماتٌ

من جَوًى عارم ٍ ولمسِ الـبـًنـَـانِ

وانسَكَـبْنا في موجةٍ إحتَوَتنا

وتعالت على بقايا كياني

وسَمَونا فوق الزمانِ وَ مِدْنا

في سِماكِ الآفاقِ واللامكانِ


أُلقِيَت هذه القصيدة في عدة نُدواتٍ شعريَّةٍ عُقِدَت في الأُمَمِ المُتَّحدة بنيويورك، في إطار النادي العربيّ. وألقيت بالفرنسية في ندوة أخرى في نفس المكان، في إطار الجمعية الفرانكوفونية. ونشرت في عدد من ا لصحف والمجلات في الوطن العربي والمهجر. ثم في ٍ كتاب"شعراء عرب في المهجر".

زيتونة من صدر حبيبتي

حبيبتي... ذهبية ٌ تنسابُ في بحر ِ الشفقْ

وتغطي فرعَهـَا الفتـَّان َ في شال ِ غمامهْ

وتداعبْ، شعرَها المنثورَ فوق الشط ِ، كفّ ُ الفجر في ظلِّ الغسقْ

* *

يا خـِصرَها النحيلْ، أضمُه ُ فينثـني الحياء ْ.

ألثمها بوله، أرشِـفُـها كخمرة ٍ مُعَتـَّـقه ْ، فإنها عريقة ٌ مُشَوِّقه ْ

حبيبتي...

يا شعرَها المزروعََ بالزهورْ،

افترشت خِصْبَ الفراتين على شط العرب.

واحتضنت" أبا الخصيب" [1] باشتياقْ. والتحفتْ سعفَ نخيلِ "الفاو"،

يغفو فوق موج من عطورْ.

واقتطفتْ زيتونة ً من صدرِها البديعْ، وبلـَلـَتْـها بالقبلْ،

واستزرعتها بقعة ً في "الفاو" أغرقـَها النجيعْ 2.

وأمطرتـها موجة ً من مَـدمع ِ الفـَخـَارْ.

فأضحتْ منارا ً لروح الشهيدْ،

وإكليلَ مجد ٍ لشعب ِ العراقْ.


1- منطقة طبيعية رائعة في ضواحي البصرة.2- النجيع: الدم.


في مديح النبي

بمناسبة المولد النبوي الشريف، رأينا أن نستعيد قصيدة المرحوم الوالد السيد صادق الأعرجي، المنشورة مع مقدمتها في صحيفة "لواء الاستقلال" الصادرة في بغداد بتاريخ 23/1/ 1949.

تقول الصحيفة

هي ذي قصيدة سعادة الأستاذ السيد صادق الأعرجي الرائعة التي أُلقيت في الاحتفال بذكرى مولد النبي الأعظم الذي أُقيم في جامع المصلوب في بغداد، مساء 16/1/ 1949


كلَّ يوم ٍ ذكراك تُتْلى وتُنْشدْ، في لهى الخَلقِ آيُها يَتجًدَّدْ

يا نبيَّ الهُدى وخيرَ رسولٍ، أيدَ المرسلين حين تأيدْ؟

إنَّ يوماً ولدتَ فيه لعيدٌ، هو أسنى من كلِّ عيدٍ وأسعدْ

كلُّ قطرٍ في الأرضِ يُسمعُ فيه، لك ذكرٌ مُطيَّبٌ ليسَ يَنْفد ْ

إنْ تُرتلْ آياته بيِّناتٍ، فلإعجازِها يُقامُ ويُقعدْ

خَرِسَ الناطقون بالضادِ لمَّا، سَمِعوا ناطقاً بِدُرٍّ مُنضَّدْ

نُورُهُ قد أضاءَ في كلِّ أرضٍ، فهَدى كلَّ ذي ضلالٍ وأرشدْ

وغدا فيه مُبْصِراً كلُّ أعمى، وغدا فيه قائماً كلُّ مُقْعَدْ

لك يا خيرَ شاهدٍ ورقيبٍ، معجزاتٌ بفضلها الله يشهدْ

* * *

كلُّ صقعٍ لطائرِ اسْمِكَ فيه، وِكرُ مجدٍ غنَّى عليه وغرَّدْ

ملأ الكونَ منك نورٌ ورشدٌ، وعلا الشُهبَ منكَ مًجدٌ وسؤددْ

حَمِدَ الشانئونَ مِنكَ سجايا، سوف تُطرى مدى الزمانِ وتُحمدْ

* * *

أنت للمجدبين َ أجودُ خِصبٍ، أنتَ للمُدلِجين أنورُ فرقدْ

لك خُلقٌ نسيجُ وحدِكَ فيه، ومُقامٌ بينَ الخليقةِ أوحدْ

ما خلا من نداك واد ٍ ونادٍ، لكَ في كلِ تُربةٍ أخصبتْ يدّْ

* * *

أنت لُغزُ الحياةِ إذْ كلُّ معنىً، من مَعانيكَ نيِّرٌ ومجَدَّدْ

أنتَ ذاتٌ تجرَّدتْ لمزايا، سامياتٍ، بلْ أنتَ عقلٌ مجرَّدْ

أنتَ انتَ الدنيا ولولاكَ لم يُعْبدّْ بها الله لا ولا كان مَعبَدْ

* * *

أيَّدَ اللهُ دينَه بمُحمدْ، فهو في الأرضِ والسماءِ مؤيَّدْ

دينُه فاقَ كلَّ دِينٍ قديمٍ، فلِذاكُمْ حديثه جاء مُسْنَدْ

صَقلتُه عبادةُ اللهِ لما، سارَ للحقِّ في طريقٍ مُعَبَّدْ

عبدَ اللهَ وحده ضِمْنَ وادٍ، فيه غيرَ الطاغوتِ ما كان يُعبدْ

خيرُ داعٍ للفضل لولا هُداه، لتداعى ركنُ الفضيلة وانهدّْ

كلُّ أفعالِهِ تُرى مُعجِزات ٌ، عندما تُنْتَقى فِعَالٌ وتُنْقَدْ

جاء بالعلم هادياً فلهذا، عبدَ الطُرقَ للعلوم ومهّدْ

قد شدا باسم مجده كلُّ من قدْ، سبح اللهَ من منيبٍ ومَجَدْ

* * *

بسنى نظرةٍ ولمحةِ فكر ٍ، قلبَ الكونَ والنواميسَ جَدَّدْ

* * *

آلهُ الطيبون هم خيرُ آلٍ، طابَ جَدٌّ منهمْ وطابَ لهم جَدّْ

فرض الله وِدَّهُمْ في البرايا، فلهمْ كلُّ مُسلِم يتودَدْ ٍ

فصلاةٌ عليهمُ وسلامٌ، ما شدا طائرٌ بأيكٍ وغرَّدْ

* * *

أيُّها المسلمون َ قوم َ محمَّدْ، قوِّموا حزبكم فقد كادَ ينهَدّْ

قوِّمُوهُ قبل السقوطِ وإلّ ا، فهو فانٍ وبابُه سوف يَنْسَدّْ

وحِّدوا القولَ وحِّدوا الرأيَ فيه، إن أقوى الأحزاب حزبٌ تَوَحَّد

* * *

يا بني العُربِ مجدَكُم جدِّدوه، واجعلوا مثلَ ما مضى ما تجدَّدْ

فبسيفٍ، لا مدفعٍ، قد ملكْتمّْ، وبه قامَ مُلكُكُمْ وتوطدْ

حطموا اليوم خصمَكُمْ بعتادٍ وامرِدوهُ من قبل أن يتمرَّدْ

واجعلوا حِليِة السماءِ دُخاناً، من لظى الحرب عندما تتوقَّدْ

أين كانتْ قنابِل الذَرِّ لما، أنْ هدمتمْ للشرِك كلَّ مُشيدْ

هل عِلمتمْ، لا عِشتمُ، إنْ ضعِفْتُمْ، إن عيشَ الضعيفِ عيشٌ مُنكَّدْ؟

غزل بريء.. وشوق جرئ

أُهديت إلى خفيفة الروح

خفيفةُ الروح ِ، لو دامتْ لِـخِـفَـتِها

مشيا ً على الماءِ ما ابتلتْ لها قدمُ

يا وجهـَهَـا ما أبـْدَعـَه ْ

معبرا ً فيه دِعـَه ْ

هيفاءُ تخطرُ في جلال فارعـِه ْ

فـُسْتانها يـَشفُ عنْ خزائن ٍ مـُروِّ عـَه ْ

قابلتها في حفلة ٍ تـَرْشِـفـُها كأسُ جـِعَـة ْ

ماحكـْـتُها بنظرة ٍ طويلة ٍ لا مُشبعة ْ

فالتهبتْ خـُدُوْدُها وبادرتـْني مُسـْرِعـَة ْ

قالتْ: "لِـمَ التحديق ُ في وجهي بعين ٍ جائعة ْ؟"

قلتُ: " وما ذنبيْ أنا، وأنتِ حقا ً بارعة ْ؛

"يا شـَفـقا ً مُضرجا ً بـِحُمْرَة ٍ مـُنـوّعة ْ

"يا لوحة فـنـْيـّةً ألوانـَها مُـتجامعة ْ

يا قطعة ً نـَغـَمِيـّة ً ألحانـَها متبارعة ْ"

توردتْ واضطربتْ وخاطريْ في مـَعـْمـَعَة ْ

قالت: "وأيـم ُ الله لم أعلمْ بأني كلُ هذا أجمعـُه ْ "

قلت: "بلى سيدتي، بل أنت ِ كأسٌ مُـتـْرَعـَة ْ

"ولاحِظاك عاجلا قلبي بسهم ٍ أفْـجـَعـَه ْ

"فأنت آيٌ ساحر ٌ، يأمرُني فأتـبـَعـَه ْ "

* *

قالت: "أهذا شاعرٌ بلغة ٍ مـُضـَوَّعة ْ"

قلت: "أجل سيدتي، وأنت شعري أبدعـَه ْ"

قالت: "وماذا يبتغي؟"

قلتُ:"سُوْيـَعـَات ٍ معه ْ!!"

قالت: "وهل يحسبني غانية أو بائعة ْ ؟

قلت: "معاذ الله ِ أنْ تـَحْضَرُني تلك َ المعاني ِ الشائعة ْ!!!

"والله ِ إني راهب ٌ يود أن يـَعـْبـُد تمثال َ الهوى في صَوْمَعـة ْ

"يرسمه لوحةَ شعرٍ خالدٍ ما أروعه ْ "

قالت: "وهل يـَرْسِـمـُنيْ ببعض ِ شعر ٍ أسْـمَـعـه ْ "

قلت: "حياتي قد غدت ْ رهينة ً في إصْبـَعـه ْ

" فأنتِ وحي ٌ سابـغ ٌ يـُلـْهـِمـني فَأرْضعـه ْ"

أعتذر لوجود تجاوزات نحوية اضطرارية، إذ قد "يحق للشاعر ما لا يحق لغيره"، ثم أنني أعتبر اللغة الشعرية وسيلة للتعبير عن هدف سام ٍ، فإذا تعارضت اللغة مع الهدف أحيانا، فيجوز تطويعها لذلك الهدف.

أهل الكهف

مضتْ القرونُ

ونحن ُ نغفوْ داخلَ الكهـْفِ التليدْ

كنا نياما ً... ثم أيقظنـَا الضجيجْ

سِـرنا إلى باب ِ المدينةِ بارتياعْ

والكلبُ ينبحُ، في الطريق، بلا انقطاعْ

وتـَمُرُ تلك المركباتُ، بلا خيولْ

يجـُرها سحرٌ عجيبْ

تجري كعصف ِ الريح، أو تـَطوي الطريقْ

ومدى الفضاء ِ تـَئـِز ُ أطيارٌ عِـظأمٌ من حديدْ،

فكأنها سهمٌ يجلجلُ كالبــريقْ

والكل ُ يـنـْظـُر نحونا شَـزْرا ً، كما لو أننا كـُنـَّا ضِـباعْ

والناسُ... لا ناسُ المدينةِ... ربما ضِعنا بأطرافِ البقاعْ

أو أنــها أضغــاثُ أحــلام ٍ، فقد كنـَّا وما زلنا نيامْ

صحنا بأعلى صوتـِنا : " إنــَّـا جياعْ "

فتجمع الناسُ الذين تهافتوا من كل صوب ٍ

هددوا وتوعدوا... قالوا بأنـّـا مُرْهبون بل مُجرمونَ..

مخربونَ من الرُعاعْ

ليتنا كلاب

ما أرفعَ الإنسانَ في أرض ِالتمدُن ِ والرفاهْ

يـثورُ من ألم البهائم ِ والزواحف ِ والكلابْ

ويُـقيمُ للقـِطـَطِ المآتمَ والقبورْ

وينفق الأموالَ من أجل الحياةِ بلا حسابْ

ما أروعَ الإنسانَ، في هذي البلادِ

يثور ُ " للراكون ِ" * يـُسلـَخ ُ جـِلـْدُه

ويعـدُّ في صُنعِ الفِـراءْ،

للمترفاتِ من النساءْ،

ضد الذين يتاجرون بذي الحياة ْ

ليسـتـزيدوا ثروة ً فوقَ الثراء ْ

لكنه لا يُـستـَثـارُ لقتل ِ ألف ٍ

بل وآلاف ِ الألوف ِ من النفوس ِ الأبرياءْ

في أرضنا، ارضُ الجزيرة ِ والعراق ِ

وأرضُ مهد ِ الأنبياءْ.

ويغضُ طرفَ العين ِ عن قتل ِ الوليد ِ

وأمه ِ عند المخاضْ.

ويدمرُ الآلافَ من سبل الحياة، بلا حياءْ

فيموتُ أطفالُ العراقْ،

إما بنيرانِ القذائفِ أو لفقدان ِ الرعاية ِ والغذاء.

* * *

يا ليتهم كانوا كلابا ً أو شياهاً أو ظباءْ،

لتعالتْ الصرَخَـاتُ في أرضِ الـحَـضارةِ والضمير ِ المستفيقِ،

تحاسبُ المسؤولَ عن هذي الدماءْ.

دعوة للعشاء

سيدتي

هل من سبيل للقاءْ!

في واحتي هذا المساءْ

إنْ كان ردُك ِ" أنْ نـَعَمْ "...،

فإنَّ ذا أقصى النِـعمْ

أنا بانتظارك ِ في الزمانِ ِ وفي المكان،

إلى اللقاءْ.